سورة سبأ - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


الألف واللام في {الحمد} لاستغراق الجنس، أي {الحمد} على تنوعه هو {لله} تعالى من جميع جهات الفكرة، ثم جاء بالصفات التي تستوجب المحامد وهي ملكه جميع ما في السماوات والأرض، وعلمه المحيط بكل شيء وخبرته بالأشياء إذ وجودها إنما هو به جلت قدرته ورحمته بأنواع خلقه وغفرانه لمن سبق في علمه أن يغفر له من مؤمن، وقوله تعالى: {وله الحمد في الآخرة} يحتمل أن تكون الألف واللام للجنس أيضاً وتكون الآية خبراً، أي أن الحمد في الآخرة هو له وحده لإنعامه وإفضاله وتغمده وظهور قدرته وغير ذلك من صفاته، ويحتمل أن تكون الألف واللام فيه للعهد والإشارة إلى قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] أو إلى قوله {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74] و{يلج} معناه يدخل، ومنه قول شاعر: [الطويل]
رأيت القوافي يتلجن هوالجا *** تضايق عنها أن تولجها الابر
و {يعرج} معناه يصعد، وهذه الرتب حصرت كلما يصح علمه من شخص أو قول أو معنى، وقرأ أبو عبد الرحمن {وما يُنَزّل من السماء} بضم الياء وفتح النون وشد الزاي.


روي أن قائل هذه المقالة هو أبو سفيان بن حرب، وقال اللات والعزى ما ثم ساعة تأتي ولا قيامة ولا حشر فأمر الله تعالى نبيه أن يقسم بربه مقابلة لقسم أبي سفيان قبل رداً وتكذيباً وإيجاباً لما نفاه وأجاز نافع الوقف على {بلى} وقرأ الجمهور {لتأتينكم} بالتاء من فوق، وحكى أبو حاتم قراءة {ليأتينكم} بالياء على المعنى في البعث.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بخلاف عالمِ بالخفض على البدل من {ربي}، وقرأ نافع وابن عامر {عالمُ} بالرفع على القطع، أي هو عالم، ويصح أن يكون {عالم} رفع بالابتداء وخبره {لا يعزب} وما بعده، ويكون الإخبار بأن العالم لا يعزب عنه شيء إشارة إلى أنه قد قدر وقتها وعلمه والوجه الأول أقرب، وقرأ حمزة والكسائي {علامِ} على المبالغة وبالخفض على البدل و{يعزب} معناه يغيب ويبعد، وبه فسر مجاهد وقتادة، وقرأ جمهور القراء {لا يعزُب} بضم الزاي، وقرأ الكسائي وابن وثاب {لا يعزب} بكسرها وهما لغتان، و{مثقال ذرة} معناه مقدار الذرة، وهذا في الأجرام بين وفي المعاني بالمقايسة وقرأ الجمهور {ولا أصغرُ ولا أكبر} عطفاً على قوله {مثقال} وقرأ نافع والأعمش وقتادة {أصغرَ وأكبرَ} بالنصب عطفاً على {ذرة} ورويت عن أبي عمرو، وفي قوله تعالى: {إلا في كتاب مبين} ضمير تقديره إلا هو في كتاب مبين، والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ، واللام من قوله تعالى: {ليجزي} يصح أن تكون متعلّقة، بقوله تعالى: {لتأتينكم} ويصح أن تكون متعلقة بقوله {لا يعزب}، ويصح أن تكون متعلقة بما في قوله {إلا في كتاب مبين} من معنى الفعل لأن المعنى إلا أثبته في كتاب مبين، والمغفرة تغمد الذنوب، والرزق الكريم الجنة {والذين} معطوف على {الذين} الأول أي وليجزي الذي سعوا، و{معاجزين} معناه محاولين تعجيز قدرة الله فيهم، وقرأ الجحدري وابن كثير {معجزين} دون ألفٍ أي معجزين قدرة الله تعالى بزعمهم، وقال ابن الزبير: معناه مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه وهذا هو سعيهم في الآيات، ثم بين تعالى جزاء الساعين كما بين قبل جزاء المؤمنين، وقرأ عاصم في رواية حفص {أليمٌ} بالرفع على النعت للعذاب، وقرأ الباقون {أليمٍ} بالكسر على النعت، ل {رجز}، والرجز العذاب السيئ جداً، وقرأ ابن محيصن {من رُجز} بضم الراء.


قال الطبري والثعلبي وغيرهما {ويرى} معطوف على ما قبله من الأفعال والظاهر أنه فعل مستأنف وأن الواو إنما عطفت جملة على جملة وكأن المعنى الإخبار بأن أهل العلم يرون الوحي المنزل على محمد حقاً وأنه يهدي إلى صراط الله، وقوله {الذي أنزل} مفعول ب {يرى}، و{الحق} مفعول ثان وهو عماد، و{الذين أوتوا العلم} قيل هم أسلم من أهل الكتاب.
وقال قتادة هم أمة محمد المؤمنون به كان من كان، {ويهدي} معناه يرشد، والصراط الطريق، وأراد طريق الشرع والدين، ثم حكي عن الكفار مقالتهم التي قالوها على جهة التعجب والهزء، أي قالها بعضهم لبعض كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على أضحوكة ونادرة فلما كان البعث عندهم من البعيد المحال جعلوا من يخبر به في حيز من يتعجب منه، والعامل في {إذا} فعل مضمر قبلها فيما قال بعض الناس تقديره ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم، ويصح أن يكون العامل ما في قوله {إنكم لفي خلق جديد} من معنى الفعل لأن تقدير الكلام ينبئكم إنكم لفي خلق جديد إذا مزقتم، وقال الزجاج العامل في {إذا}، {مزقتم} وهو خطأ وإفساد للمعنى المقصود، ولا يجوز أن يكون العامل {ينبئكم} بوجه، و{مزقتم} معناه بالبلى وتقطع الأوصال في القبور وغيرها، وكسر الألف من {إنكم} لأن {ينبئكم} في معنى يقول لكم ولمكان اللام التي في الخبر، و{جديد} معناه مجدد، وقولهم {افترى} هو من قول بعضهم لبعض، وهي ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضاً عن محمد أحال الفرية على الله هي حاله أم حال الجنون، لأن هذا القول إنما يصدر عن أحد هذين فأضرب القرآن عن قولهم وكذبه، فكأنه قال ليس الأمر كما قالوا {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة} والإشارة بذلك إليهم، {في العذاب} يريد عذاب الآخرة لأنهم يصيرون إليه، ويحتمل أن يريد {في العذاب} في الدنيا بمكابدة الشرع ومكابرته ومحاولة إطفاء نور الله تعالى وهو يتم، فهذا كله عذاب وفي {الضلال البعيد} أي قربت الحيرة وتمكن التلف لأنه قد أتلف صاحبه عن الطريق الذي ضل عنه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7